| ●
درر
و فوائد
|
|
قال
ابو الحسن المدايني : كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمر بن عبيد الله بن عبد الله
بن عتبة يعزيه على ابنه : * أما بعد : فإنا قوم من أهل الآخرة ، أسكنا الدنيا ،
أموات أبناء أموات ، و العجب لميت يكتب إلى ميت ، و يعزيه عن ميت ، و السلام *
حلية الأولياء 5 / 266
عن أبي عبد الله الشامي قال : استأذنت على
طاووس لأسأله عن مسألة فخرج علىّ شيخ كبير فظننته هو فقال : لا أنا ابنه ، قلت
: إن كنت ابنه فقد خرّف أبوك ، قال تقول ذاك إن العالم لا يخرف ، قال ، فدخلت
فقال لي طاووس : سل و أوجز ، و إن شئت علمتك في مجلسك هذا القرآن و التوراة و
الإنجيل . قلت إن علمتنيهم لا أسألك عن شيء . قال : * خاف
الله مخافة لا يكون شيء عندك أخوف منه ، و ارجه رجاء هو أشد من خوفك
إياه ، و أحبّ للناس ما تحبه لنفسك *سير أعلام النبلاء 5 / 47
|
|
|
|
|
●
الترجمة
الكاملة للشيخ السلفي ابن باديس الجزائري |
|
المبحث
الثاني : نشأة العلامة ابن
باديس وطلبه للعلم
أ- نشأته :
نشأ الإمام ابن باديس في
أحضان تلك الأسرة العريقة في العلم والجاه، وكان
والده بارًا به، فحرص على أن يربيه تربية إسلامية
خاصة، فلم يُدخلْه المدارس الفرنسية كبقية أبناء
العائلات المشهورة، بل أرسل به إلى الشيخ المقرئ
محمد بن المدّاسي، فحفظ عليه القرآن وتجويده،
وعمره لم يتجاوز الثالثة عشر سنة.. نشأ منذ صباه
في رحاب القرآن، فشبّ على حبه، والتخلّق بأخلاقه.
ثم ما لبث أن وجهه إلى المربّي الكبير والعالم
الجليل الشيخ حمدان الونيسي، فتلقى منه العلوم
العربية والإسلامية ومكارم الأخلاق، وعليه واصل
السماع والتلقي في قسنطينة، فنال إعجاب أساتذته
بما أظهر من استقامة في الخُلُق، وطيبة في السيرة،
وشَغَف كبير في طلب العلم.
ب- رحلاته في طلب العلم :
إن الرحلة في طلب العلم أمر شائع عند المسلمين،
فقد رحل جابر ابن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله
بن أنيس لأجل حديث واحد، وكذلك فعل كثير من
الصحابة والتابعين.. ومن فضائل الارتحال أن
العالِم يطوف ببلدان كثيرة، فيشاهد أحوال الشعوب
وتقاليدها وعاداتها، واختلاف طبائعها، فيأخذ عن
شيوخها وأعيانها، ويتلقى العلم عليهم، مما يؤدي
إلى كثرة الاطلاع، ووفرة الثقافـــة.
والشيخ ابن باديس لم يكن
بعيدًا عن هذه السنّة الحميدة، فما أن أحسّ أنه
استوعب كثيرًا مما جاد به أستاذه الشيخ الونيسي،
وعلم من عزم هذا الأخير على الهجرة، كان عليه أن
يُواصل الطلب والتحصيل.. وبتشجيع من والده، ارتحل
ابن باديس إلى تونس،
متتبعًا ينابيع العلم والمعرفة، فأخذ هناك العلم
من عظماء الزيتونة وفطاحلها.
1- رحلته إلى تونس :
مما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام، أنه في سنة
1908م، هاجر الشيخ حمدان الونيسي إلى المدينة
المنوّرة للاستقرار بها، فحاول تلميذه ابن باديس الالتحاق به فمنعه
والده من ذلك، وكان عمره آنذاك تسعة عشر عامًا،
غير أن والده كان حريصًا على إتاحة الفرصة أمام
هذا الابن البار لإتمام دراسته، فأرسله إلى جامع
الزيتونة بتونس، فكانت تلك أولى رحلاته إلى الخارج..
تلقى العلم في هذه الجامعة على المبرزين من
علمائها، أمثال الشيخ محمد النخلي، والشيخ محمد
الطاهر بن عاشور، وغيرهم، وظل يأخذ عن شيوخه حتى
استوفى الكثير مما عندهم من العلوم الإسلامية،
طيلة أربع سنوات إلى أن أجازوه للتدريس، فمكث بعد
تخرجه سنة أخرى للتدريس فيها، وكانت تلك عادة
متبعة في كثير من الجامعات الإسلامية.
ولم يكتف الشيخ ابن باديس
بتلك البرامج التي أهلته لنيل الشهادة العالمية،
بل زاد في تحصيله خارج أوقات الدراسة إلى أن تشبّع
بمختلف فروع المعارف الإسلامية، وكان لتوجيهات
الشيخ النخلي الأثر الكبير في ذلك.
2- رحلته إلى المشرق :
عاد ابن باديس سنة 1912م
إلى الجزائر، وكّله عزم على بعث نهضة علميّة جديدة
يكون أساسها الهداية القرآنية والهدي المحمّدي،
والتفكير الصحيح، فانتصب يُحْيِي دوارس العلم
بدروسه الحية في الجامع الكبير بقسنطينة، عائدًا
بالأمة المحرومة إلى رياض القرآن المونقة، وأنهاره
العذبة المتدفقة، وأنواره الواضحة المشرقة.
ورغم ما للمفتي الشيخ المولود بن الموهوب من سبق
في هذا الميدان، وجولات ضد البدع والانحراف، إلا
أن الذي يحدث عادة بين الأقران من تنافس، دفعه
للتصدّي لابن باديس، ومنعه من التدريس بالجامع
الكبير، فتحوّل هذا الأخير إلى الجامع الأخضر
للتدريس به، بعد توسّط والده لاستخراج إذن بذلك.
وفي موسم الحج لعام 1913م ارتحل ابن
باديس إلى الديار
المقدسة، لأداء هذا الركن، فالتقى هناك بأستاذه
الأول الشيخ حمدان الونيسي، وكذلك التقى بعالم
الهند الكبير الشيخ حسين أحمد المدني، كما التقى
في المدينة المنورة بالشيخ البشير الإبراهيمي.
وقد ألقى الشيخ ابن باديس
خلال الأشهر الثلاثة، التي قضاها هناك، دروسًا
عديدة في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم..
وأثناء عودته إلى الجزائر طاف بعدّة بلدان عربية،
فزار سوريا ومصر، التي التقى فيها بالشيخ محمد
بخيت المطيعي، والشيخ أبي الفضل الجيزاوي.
وقد تميّزت هذه الرحلة بالنسبة للشيخ ابن
باديس بحدثين هامين، كان
لهما الأثر الكبير في توجهه ومستقبل عمله:
الحدث الأول: هو التقاؤه بالشيخ أحمد الهندي، الذي
نصحه بالعودة إلى الجزائر وخدمة الإسلام فيها
والعربية بقدر الجهد، فحقق الله أمنية ذلك الشيخ
بعودة ابن باديس إلى
وطنه، وتفانيه في خدمة الدين واللغة، إلى أن
تكوّنت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي
كان أول رئيس لها، ثم واصل رفاقُ دَرْبِه المسيرةَ
من بعده.
الحدث الثاني: هو التقاؤه بالشيخ محمد البشير
الإبراهيمي، رفيق دربه في الذّود عن الإسلام ولغة
الإسلام في الجزائر.
فكانت لقاءات المدينة المنورة التي جمعت بينهما،
هي التي وُضعت فيها الخطط العريضة لمستقبل العمل
في الوطن، وحُددت فيها الوسائل التي تنهض بالجزائر
نهضة شاملة، تهتك أستار الظلام، الذي فرضه
المستعمر على الأمة، عقودًا طويلة من الزمن.
هذه باختصار ملامح من البيئة التي نشأ وترعرع فيها
ابن باديس، وحتّى تزداد الصورة وضوحًا، لابدّ لنا
من التعرف على شيوخه الذين تربّى على أيديهم وأخذ
عنهم العلم والمعرفة، وهو ما سنتعرف عليه في
المبحث القادم إن شاء الله. |
|
|
|
|
|
|
|